طارق الشناوي - mbc.net
لم تصرح الرقابة على المصنفات المصرية -وأظنها أيضاً لن تصرح على الأقل في القريب العاجل- بعرض فيلم "الخروج"، بعد أن تقدم منتج الفيلم "شريف مندور" بطلب عرضه تجارياً، وذلك بسبب الخوف من غضب الأقباط، وأيضاً تحسباً لاعتراض الكنيسة القبطية في ظل حالة الشحن الطائفي في مصر التي ما إن تهدأ في مكان حتى تشتعل في آخر.
الفيلم أول إخراج لهشام العيسوي، والذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو وسبق وأن شاهدت الفيلم في مهرجان "دبي" الذي عقد في شهر ديسمبر الماضي.
تناولت الأحداث عائلة مصرية تدين بالمسيحية، إلى هنا والأمر يبدو عاديا، لكن استطاع المخرج أن يقتحم الخط الأحمر في التعامل مع الشخصية القبطية وتغلغل أكثر في تفاصيل هذه العائلة، لنرى الابنة الكبرى التي لعبت دورها "صفاء جلال"، وقد صارت فتاة ليل تبيع شرفها من أجل أن تضمن حياة كريمة لابنها.
الشقيقة الصغرى الوجه الجديد "ميرهان"( كوكي شقيقة روبي) على علاقة غير شرعية بشاب مسلم لعب دوره الوجه الجديد "محمد رمضان" تريد الزواج منه وتهدده بأنها حامل.
زوج الأم "أحمد بدير" يلعب القمار، ويستحوذ على أموال العائلة عنوة.. بالطبع لو أن هذه العائلة مسلمة فسوف يتقبلها المجتمع المصري بمسلميه وأقباطه دون حساسية، ولكن طبقاً لكل التجارب السابقة في التعامل مع الشخصيات القبطية التي تحمل أي قدر من الإدانة الأخلاقية في الدراما سواء المسلسلات أو الأفلام، فإن الغضب بل والمظاهرات داخل الكنيسة وربما أيضاً خارجها هو المصير الذي ينتظر مثل هذه الأعمال الفنية.
"ممنوع اللمس"
اعتدنا في الدراما أن نضع أوراق "السوليفان" على الشخصية المسيحية، وكأننا نرفع راية مكتوباً عليها ممنوع اللمس أو الاقتراب، الإحساس العام الذي يسيطر غالباً على صنَّاع العمل الفني أن المتفرج لا يريد أن يرى شخصية من لحم ودم؛ وأنه فقط يقرأ عنوانها لكنه لا يتعمق في تفاصيلها.. كان يبدو وكأن هناك اتفاقا ضمنيا على ذلك بين صنَّاع العمل الفني والجمهور الجميع ارتاحوا إلى استبعاد الشخصية القبطية.
تصريح الرقابة على المصنفات الفنية بعرض فيلم "الخروج" في المهرجانات في إطار محدود بجمهور خاص، ولكن العرض الجماهيري داخل مصر وخارجها للجمهور العادي دافع التذكرة أراه بعيدا عن التحقيق؛ نظراً لحالة الغضب المرتقبة التي شاهدناها كثيراً في مثل هذه الأحوال.
المعالجات الفنية التي اقتربت من العائلة المصرية القبطية وجهت لها انتقادات مباشرة من الكنيسة الأرثوذكسية في مصر، برغم أن المعالجة الفنية لم يكن يهدف منها الحديث عن الديانة بقدر ما هو تناول عائلة مصرية مسلمة أو مسيحية.
على سبيل التذكرة فقط، فإن السنوات الأخيرة شهدت أكثر من غضبة عارمة بسبب أعمال فنية تعاملت بحساسية وهدوء مع العائلة القبطية في مصر، ورغم ذلك وجهت لها انتقادات حادة منها مثلاً مسلسل "أوان الورد" عرض قبل عشر سنوات لعبت بطولته "سميحة أيوب" و"يسرا".
سر الغضب هو أن "سميحة" لعبت دور امرأة قبطية تزوجت مسلما، حتى أن كاتب المسلسل "وحيد حامد" اضطر أن يضع على لسان الشخصية المحورية في المسلسل حواراً قبل نهاية الحلقات لم يكن في السيناريو الأصلي، وذلك في محاولةٍ منه لامتصاص الغضب حيث قالت "سميحة أيوب" إنها لو عادت بها الأيام، فلن تتزوج مسلماً، إلا أن مساحة الغضب كانت أكبر من توقع الجميع.. مسلسل "بنت من شبرا" عُرض بعدها بنحو ثلاث سنوات بطولة "ليلى علوي" أثار الغضب لأن البطلة أشهرت إسلامها.
"بحب السيما"
أما الفيلم الذي حظي بأكبر مساحة من الغضب فهو "بحب السيما" عام 2004 إخراج "أسامة فوزي" وتأليف "هاني فوزي" وبطولة "ليلى علوي" و"محمود حميدة" كان أول فيلم يتناول عائلة مسيحية الزوج والزوجة والابن لم يتحمل قطاع عريض من الأقباط ذلك.
الحقيقة هي أن المشاهد المصري وأيضاً العربي اعتاد على رؤية الشخصيات المصرية في الأغلب مسلمة، وإذا قدمت شخصية قبطية فإنها غالباً إيجابية وعلى هامش الأحداث.
آخر شخصية محورية قبطية قدمت في فيلم "حسن ومرقص" 2008 التي أداها "عادل إمام" حيث لعب دور أستاذ علم اللاهوت، وحرص "عادل إمام" على أن يلتقي "البابا شنودة" وتم إجراء بعض التعديلات الدرامية.
هذه المرة مع فيلم "الخروج" لا توجد هذه المعادلة برغم أن المخرج -ربما بعد نصيحة من أحد العاملين بالفيلم- قدم علاقة هامشية عاطفية موازية بين قبطي ومسلمة.
مأزق هذه الأفلام هو أن المتفرج لم يألف رؤية شخصيات قبطية تمارس أي قدر من الانحراف طوال تاريخ الدراما، ولهذا تنتقل الحساسية التي نراها في الشارع إلى دار العرض وبدلاً من أن يشاهد الجمهور شريطاً سينمائياً به عائلة مصرية بعيداً عن ديانتها سوف يراها عائلة قبطية، بل ويعتبرها البعض في هذه الحالة تحمل إدانة شخصية وليست درامية.
يجب أن نعترف بأن ما نراه في الدراما من حساسية تتحمل وزره الحياة الفنية والثقافية المصرية؛ لأنه كلما طال الابتعاد والغياب زادت الحساسية، ولكن على صنَّاع الأعمال الفنية أن يواصلوا الطريق ويمنحوا الشخصيات القبطية حضورها الدرامي.. لديّ ملاحظات متعددة على فيلم "الخروج"، ولكني أدافع عن حق المخرج في أن يرى فيلمه النور ويُعرض على الناس.
لم تصرح الرقابة على المصنفات المصرية -وأظنها أيضاً لن تصرح على الأقل في القريب العاجل- بعرض فيلم "الخروج"، بعد أن تقدم منتج الفيلم "شريف مندور" بطلب عرضه تجارياً، وذلك بسبب الخوف من غضب الأقباط، وأيضاً تحسباً لاعتراض الكنيسة القبطية في ظل حالة الشحن الطائفي في مصر التي ما إن تهدأ في مكان حتى تشتعل في آخر.
الفيلم أول إخراج لهشام العيسوي، والذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو وسبق وأن شاهدت الفيلم في مهرجان "دبي" الذي عقد في شهر ديسمبر الماضي.
تناولت الأحداث عائلة مصرية تدين بالمسيحية، إلى هنا والأمر يبدو عاديا، لكن استطاع المخرج أن يقتحم الخط الأحمر في التعامل مع الشخصية القبطية وتغلغل أكثر في تفاصيل هذه العائلة، لنرى الابنة الكبرى التي لعبت دورها "صفاء جلال"، وقد صارت فتاة ليل تبيع شرفها من أجل أن تضمن حياة كريمة لابنها.
الشقيقة الصغرى الوجه الجديد "ميرهان"( كوكي شقيقة روبي) على علاقة غير شرعية بشاب مسلم لعب دوره الوجه الجديد "محمد رمضان" تريد الزواج منه وتهدده بأنها حامل.
زوج الأم "أحمد بدير" يلعب القمار، ويستحوذ على أموال العائلة عنوة.. بالطبع لو أن هذه العائلة مسلمة فسوف يتقبلها المجتمع المصري بمسلميه وأقباطه دون حساسية، ولكن طبقاً لكل التجارب السابقة في التعامل مع الشخصيات القبطية التي تحمل أي قدر من الإدانة الأخلاقية في الدراما سواء المسلسلات أو الأفلام، فإن الغضب بل والمظاهرات داخل الكنيسة وربما أيضاً خارجها هو المصير الذي ينتظر مثل هذه الأعمال الفنية.
"ممنوع اللمس"
اعتدنا في الدراما أن نضع أوراق "السوليفان" على الشخصية المسيحية، وكأننا نرفع راية مكتوباً عليها ممنوع اللمس أو الاقتراب، الإحساس العام الذي يسيطر غالباً على صنَّاع العمل الفني أن المتفرج لا يريد أن يرى شخصية من لحم ودم؛ وأنه فقط يقرأ عنوانها لكنه لا يتعمق في تفاصيلها.. كان يبدو وكأن هناك اتفاقا ضمنيا على ذلك بين صنَّاع العمل الفني والجمهور الجميع ارتاحوا إلى استبعاد الشخصية القبطية.
تصريح الرقابة على المصنفات الفنية بعرض فيلم "الخروج" في المهرجانات في إطار محدود بجمهور خاص، ولكن العرض الجماهيري داخل مصر وخارجها للجمهور العادي دافع التذكرة أراه بعيدا عن التحقيق؛ نظراً لحالة الغضب المرتقبة التي شاهدناها كثيراً في مثل هذه الأحوال.
المعالجات الفنية التي اقتربت من العائلة المصرية القبطية وجهت لها انتقادات مباشرة من الكنيسة الأرثوذكسية في مصر، برغم أن المعالجة الفنية لم يكن يهدف منها الحديث عن الديانة بقدر ما هو تناول عائلة مصرية مسلمة أو مسيحية.
على سبيل التذكرة فقط، فإن السنوات الأخيرة شهدت أكثر من غضبة عارمة بسبب أعمال فنية تعاملت بحساسية وهدوء مع العائلة القبطية في مصر، ورغم ذلك وجهت لها انتقادات حادة منها مثلاً مسلسل "أوان الورد" عرض قبل عشر سنوات لعبت بطولته "سميحة أيوب" و"يسرا".
سر الغضب هو أن "سميحة" لعبت دور امرأة قبطية تزوجت مسلما، حتى أن كاتب المسلسل "وحيد حامد" اضطر أن يضع على لسان الشخصية المحورية في المسلسل حواراً قبل نهاية الحلقات لم يكن في السيناريو الأصلي، وذلك في محاولةٍ منه لامتصاص الغضب حيث قالت "سميحة أيوب" إنها لو عادت بها الأيام، فلن تتزوج مسلماً، إلا أن مساحة الغضب كانت أكبر من توقع الجميع.. مسلسل "بنت من شبرا" عُرض بعدها بنحو ثلاث سنوات بطولة "ليلى علوي" أثار الغضب لأن البطلة أشهرت إسلامها.
"بحب السيما"
أما الفيلم الذي حظي بأكبر مساحة من الغضب فهو "بحب السيما" عام 2004 إخراج "أسامة فوزي" وتأليف "هاني فوزي" وبطولة "ليلى علوي" و"محمود حميدة" كان أول فيلم يتناول عائلة مسيحية الزوج والزوجة والابن لم يتحمل قطاع عريض من الأقباط ذلك.
الحقيقة هي أن المشاهد المصري وأيضاً العربي اعتاد على رؤية الشخصيات المصرية في الأغلب مسلمة، وإذا قدمت شخصية قبطية فإنها غالباً إيجابية وعلى هامش الأحداث.
آخر شخصية محورية قبطية قدمت في فيلم "حسن ومرقص" 2008 التي أداها "عادل إمام" حيث لعب دور أستاذ علم اللاهوت، وحرص "عادل إمام" على أن يلتقي "البابا شنودة" وتم إجراء بعض التعديلات الدرامية.
هذه المرة مع فيلم "الخروج" لا توجد هذه المعادلة برغم أن المخرج -ربما بعد نصيحة من أحد العاملين بالفيلم- قدم علاقة هامشية عاطفية موازية بين قبطي ومسلمة.
مأزق هذه الأفلام هو أن المتفرج لم يألف رؤية شخصيات قبطية تمارس أي قدر من الانحراف طوال تاريخ الدراما، ولهذا تنتقل الحساسية التي نراها في الشارع إلى دار العرض وبدلاً من أن يشاهد الجمهور شريطاً سينمائياً به عائلة مصرية بعيداً عن ديانتها سوف يراها عائلة قبطية، بل ويعتبرها البعض في هذه الحالة تحمل إدانة شخصية وليست درامية.
يجب أن نعترف بأن ما نراه في الدراما من حساسية تتحمل وزره الحياة الفنية والثقافية المصرية؛ لأنه كلما طال الابتعاد والغياب زادت الحساسية، ولكن على صنَّاع الأعمال الفنية أن يواصلوا الطريق ويمنحوا الشخصيات القبطية حضورها الدرامي.. لديّ ملاحظات متعددة على فيلم "الخروج"، ولكني أدافع عن حق المخرج في أن يرى فيلمه النور ويُعرض على الناس.
No comments:
Post a Comment